التفكير الكسول
بقلم :بشير بن علي
لا شك أن دعوة القرآن الكريم لنا بالتفكر واستخدام العقل تحمل دلاله عميقة في معانيها وأسرارها،فهو لم يستعمل “العقل” بصيغة الأسم الجامد، وإنما استعمل مشتقاتِهِ الفعليةَ: (تَعْقِلُونَ 23 مرة، يَعْقِلُونَ 22 مرة، عَقَلُوهُ مرة واحدة، يَعْقِلُهَا مرة واحدة، نَعْقِلُ مرة واحدة)، وكل ذلك في سياقات الإشادة بفاعلية العقل البشري في النظر والتدبر، والتمييز بين الأضداد؛وفق منهج (وهديناه النجدين) وبيان طريق الحق وطريق الظلال وما هو صحيح وما هو زائف ، وبيان الصراع الأبدي بين الحق والباطل.
ولعل أمة الإسلام وتحديدا أمة العرب منها، تم تحييدها عبر قرون طويلة ولصالح جهات قصدت، وأخرى لم تقصد،غياب العقل وتسليمه معيه الواقع والمرجعيات على اختلافها، والدخول في سلم الراحة والروتين، بعد أن كنا حضارة تُنير العالم بأفكارها ورؤاها، واليوم انتشرت تقنيات واستراتيجيات التفكير وامتلئت الدنيا بمعاهد ومراكز الدراسات المتخصصة بالتفكير.وما يهمنا في هذه الأسطر هو الدعوة إلى تفعيل العقل والإستفادة من امكانياتة الهائلة.وذلك لا يتأتى إلا بالفهم الجيد لعمل الدماغ البشري عبر استخدام العقل وتفعيله بالتأمل والتدبر وإثارة التساؤل حول كل شي في الحياة من حولنا.ألم يقل حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه بأنه أُوتي العلم بلسان سؤول وقلب عقول.
ولتحقيق ما نصبو إليه يلزمنا أن نتعرف أكثر على أهم القدرات الذهنية اللازمة لإنجاز العمليات العقلية بكفاءة واقتدار والتي تبدأ بالقدرة على الإستنباط والإستنتاج،فالأولى تبدأ بالكليات وتنتهي بالجزئيات، بينما الثانية تبدأ بمعرفة الجزئيات وصولا للمعرفة الكلية.وتلي هذه القدرات قدرات أخرى لا تقل أهمية وهي القدرة على التحليل، التقييم، الحدس، المنطق، التتابع، الربط، التشابه،الدقة، التذكر، الترتيب، الخيال، التحديد، التعميم، الضد، الحساب، التمييز.
وبتدريب ما سبق ومحاوله استخدامه في النظر لجوانب الحياة ومعطياتها وتحدياتها، يصل الإنسان إلى عقلية قوية تمتاز بالمرونة والتناسق.وبالعكس فإن إهمال التأمل والتعلم المستمر وتحديث وتحدي العقل سيؤدي حتما إلى تصلب قدرات التفكير مع ضعف واضح في استرسال الأفكار.
علينا جميعا أن لا نقبل بالحياة الروتينية وأن لا نكون جزءا من مخططات الآخرين ولا أن نكثر الشكوى من مشاكلنا أو مسئولياتنا.بل نبادر الى التأمل والتفكر والجلوس مع المبدعين أو قراءه سيرهم الحياتية والعملية.سنقوم كذلك بحل المشكلات والتحديات بطرق إبداعية وجديدة.سنبحر في فضاء العلم ونسافر في أرجاء الأرض، نطلع على تجارب الناس وننظر في التاريخ كيف تطورت الحياة.وسنخرج من عادات التفكير الكسولة ولن نكتفي بالقراءة فقط بل سنستخدم عقولنا أيضا.